مصر… صداقة المرأة والرجل في صراع الحلال والحرام

انضم إلى مجموعاتنا الإخبارية عبر واتساب

أثارت فتاوى تعتبر الصداقة بين الرجل والمرأة محرمة وفق الشريعة الإسلامية، حالة من الجدل الواسع في مصر.

وبينما تبث هذه الفتاوى على نطاق واسع في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، تتجلى تساؤلات حول التأثيرات الاجتماعية والنفسية للفصل بين الجنسين، وما إذا كانت المجتمعات التي طبقت هذا الفصل استطاعت أن تصبح أفضل أخلاقياً مقارنة بغيرها، وهل ثمة تأثيرات اجتماعية ونفسية لهذا الفصل؟

وجاءت الفتاوى الأخيرة، تعليقاً على تصريحات إعلامية لمستشار مفتي الديار المصرية وأمين الفتوى بدار الإفتاء الدكتور مجدي عاشور، وذلك خلال لقاء تلفزيوني، قبل أيام قليلة، اعتبر فيه أن تلك الصداقة “لا شيء فيها”، أي أنها ليست محرمة شرعاً.

وما أن نشرت تلك التصريحات حتى صدرت فتاوى تنفي مشروعية هذه الصداقة، وتحرم الاختلاط في المقاهي والمحادثات الإلكترونية بين الجنسين.

وتقول استشارية الصحة والإرشاد النفسي الدكتورة منى حمدي لـ”النهار العربي”: “إن علم النفس يكشف عن أن علاقة الصداقة بين الرجل والمرأة تختلف عن مثيلتها لدى أبناء الجنس الواحد، لكن هذا الاختلاف لا يعني أنها مرفوضة، بل على العكس، إنها مفيدة للغاية، ولكننا نحتاج إلى فهم طبيعة تفكير الرجل والمرأة، حتى نجني ثمار هذه الصداقة، ونتجنب مشكلاتها، بدلاً من رفضها جملة وتفصيلا”.

تحريم ومنع

أصدرت دار الإفتاء، السبت، فتوى جاء بها: “لا يوجد في الإسلام ما يسمى بالصداقة بين رجل وامرأة أجنبية عنه، بل الموجود هو التعامل بين الجنسين في إطار الضوابط العامة”.

ومن جانبه، اعتبرها الدكتور عباس شومان المشرف على الفتوى بالأزهر “باب فتنة يجب أن يغلق”، وقال عبر صفحته الشخصية على موقع “فايسبوك” إن “الجدل الدائر،حول الصداقات بين الشباب والفتيات، باب فتنة يجب أن يغلق، سداً للذريعة، فلا تؤمن عاقبة انفراد شاب بفتاة في الواقع ولا عبر الفضاء الإلكتروني”.

ونفى الداعية الإسلامي عبد الله رشدي وجود “الصداقة” بين الرجل والمرأة في الإسلام، وقال عبر صفحته على “فايسبوك”: “أن يخرج الشاب بفتاة يجالسها في المقاهي ويتسامران بدعوى الصداقة فذلك فعل محرم، لا يقبله على ابنته إلا رجل حرم معاني الرجولة وانمحقت لديه مفاهيم الغيرة”.

رؤية مغايرة

أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة ماربورغ الألمانية الدكتور عاصم حفني يرى القضية بصورة مغايرة، ويقول لـ”النهار العربي”: “نحن نعيش في تطور اجتماعي وثقافي لا مفر فيه من وجود علاقة بين الذكر والأنثى، وهذه العلاقة قد تتطور إلى مستوى الصداقة، ولا شك في أن هذا له جوانب إيجابية، بخاصة إذا كانت العلاقة في إطار الدراسة أو العمل”.

ويشير حفني الذي تخرج في الأزهر قبل أن يحاضر بعدد من الجامعات الألمانية إلى أن “علينا أن نتفهم أن هذه العلاقة إيجابية، حتى وإن قادت إلى الحب، فالحب أمر جميل، وقد يتطور إلى زواج ناتج من صداقة وفهم مشترك، بدلاً من الخطبة التقليدية التي يظهر فيها كل طرف أفضل ما عنده ثم يفاجأ كل منهما بأمور لم يكن يعرفها عن الآخر بعد الزواج، فتنتهي علاقتهما بالطلاق، أو بحياة خالية من السعادة”.

ويتناول الأستاذ الجامعي نقطة أخرى: “أنا كخريج في الأزهر، أعرف أن غياب الاحتكاك بين الإناث والذكور يجعلنا لا ندرك الصورة الحقيقية للمرأة، وهو ما له مساوئ كثيرة، فغياب هذا الاحتكاك يجعلنا غير مدركين بشكل جيد لطبيعة تفكير النساء: كيف يفكرن؟ ما الذي يشغل بالهن؟ كل هذه أمور نفقدها بسبب الفصل بين الجنسين”.

ويطالب حفني بألا يتم “الحجر على تفكير الشباب باستخدام العرف أو التفسيرات الدينية التي تحتاج إلى تجديد”، ويضيف: “لا شك في أن الانحراف قد يكون وارداً، لكن الخوف من حدوث هذا الانحراف لا يجب أن يقودنا إلى المنع، بل يجب أن نجعل الشباب يحكم عقله وضميره، ويعلم أن الله سوف يحاسبه، ويتعلم مراقبة الله، وليس مراقبة المجتمع”.

جوانب اجتماعية

وينتقد أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأميركية الدكتور سعيد صادق نشر الإعلام لهذه الفتاوى والآراء التي يرى أنها “تلهي الناس في أمور لا فائدة منها، وقد تجاوزتها المجتمعات المتحضرة”.

ويقول صادق لـ”النهار العربي”: “إن الإعلام يركز على تلك المواضيع التي لم تعد موجودة في دول إسلامية أخرى. موضوع المرأة طاغٍ في الإعلام والفقه الإسلامي في مصر بصورة لافتة. وطرح هذه المواضيع ينشر التخلف والعدوانية ضد المرأة والتحرش”.

ويضيف عالم الاجتماع: “لقد تبنينا لعقود عدة هذا الفكر الرجعي، وأصبح مؤثراً للغاية في قطاع واسع من المواطنين، فماذا كانت النتيجة؟ لقد أصبحنا نحتل مرتبة متقدمة للغاية في التحرش، ومشاهدة المواقع الإباحية”.

ويشير صادق إلى أن “في الغرب، هناك صداقة بين الرجل والمرأة، وهناك أطر واضحة لتلك العلاقة، كما أنه في بعض الأحيان يعيش رجل وامرأة في المسكن ذاته، هو له غرفته الخاصة، وهي لها غرفتها، ولا يعني وجودهما في مسكن واحد، أنه يستطيع التحرش بها، لا يفعل هذا إلا من لديه مشكلة نفسية، ومن يتجرأ على هذا التجاوز، يعلم جيداً أنه سوف يخضع لعقوبة قانونية رادعة”.

كلما تزايد مستوى الفصل بين الجنسين حسب رأي الأستاذ بالجامعة الأميركية “تزايدت معدلات الانحرافات السلوكية، ويتجلى هذا بشكل واضح على سبيل المثال في السجون، فهناك علاقات جنسية واعتداءات تحدث بين الذكور لأنهم لا يجدون نساء في حياتهم، وهذا يخالف الطبيعة”.

جوانب نفسية

وتقول الدكتورة منى حمدي إن “هناك فرقاً كبيراً بين التحريم والمنع، ما يمهد للفصل بين الجنسين بنهاية المطاف، وهذا له أضراره النفسية والاجتماعية، وأن نحاول أن نفهم ونعي طبيعة المرأة والرجل، وكيف يفكر كل منهما، حتى يتمكنا من بناء صداقة على أسس سليمة، تكون مفيدة لهما”.

وتشير حمدي إلى أن “الرجل بطبيعته قد يميل إلى تحويل علاقته بالمرأة إلى علاقة عاطفية، لكن المرأة تكون أكثر تحديداً لشكل العلاقة منذ بدايتها، وغالباً لا تنجرف إلى تغيير هذه الطبيعة، ومن ثم فهي الأكثر قدرة على ضبط نمط العلاقة، والحفاظ عليها في إطار الصداقة طالما رغبت في ذلك”.

وتؤكد استشارية الصحة النفسية أن “الصداقة بين الرجل والمرأة مهمة للطرفين، وخصوصاً بالنسبة للمرأة، فقد يحتاج أحدهما إلى رأي الجنس الآخر في قضية معينة، وقد يحصل منه على وجهة نظر، أو دعم نفسي لا يجده مع بني جنسه، لذا فوجود هذه العلاقة مهم وطبيعي، ولا يجب أن نمنعه، فقط نحن بحاجة الى مزيد من الوعي والفهم لطبيعتنا البشرية”.

تأييد ورفض

مواقع التواصل الاجتماعي شهدت حالة من الجدل حول القضية، وبينما أيد قطاع كبير الفتاوى التي تتماشى مع ما اعتاد عليه العقل الجمعي بمصر، رأى البعض أنها آراء غير منطقية، ولا تواكب العصر، وتعود بالمجتمع قروناً إلى الوراء.

من جانبها، اعتبرت رشا حجازي وهي عضو في تحالف نسوي دولي أن مجرد طرح سؤال حول إمكانية وجود صداقة بين المرأة والرجل هو “إهانة ومثير للغضب، وبه فصل عنصري” وقالت لـ”النهار العربي”: “لماذا لا يوجد صداقة؟ ولماذا يطرح السؤال من الأساس؟”.

أما الكاتبة والناشطة النسوية داليا وصفي فترى أن “هذه الآراء المتشددة تقود، بنهاية المطاف، إلى الفصل بين الجنسين بطريقة أو بأخرى”.

وتقول وصفي لـ”النهار العربي”: “تلك الآراء المتشددة غير واقعية ولا تتماشى مع تطور المجتمع، ولا تدرك تغيّر مكانة المرأة فيه، وفي واقع الأمر، فإنها لا تقود إلى مجتمع أفضل من الناحية الأخلاقية، بل تسهم في الانحدار إلى سلوكيات شاذة، ومن ثم فهي تفضي إلى نتيجة معاكسة تماماً للهدف المعلن منها”.

شو رأيك؟ بدك ويب سايت بس بـ5$ بالشهر