مشهديّة الكهرباء أمس: عودة إلى معاهدة الأخوّة والتنسيق والوصاية؟

انضم إلى مجموعاتنا الإخبارية عبر واتساب

عند مشاهدته وزيرَ الطاقة والمياه وليد فيّاض مع نظيرَيه الأردني والسوري يوقّع اتّفاقية استجرار الكهرباء إلى لبنان من المملكة الأردنيّة الهاشميّة عبر سوريا، تذكّر مستشارٌ للوزيرَين الراحِلَين جورج افرام وسليمان طرابلسي الحقبة التي شغل كلّ منهما حقيبةَ وزارة الموارد المائيّة والكهربائيّة عامي 1992 و1998 على التوالي.

وعلّقَ مُشبّهاً الماضي بالحاضر، لجهة عقد المحادثات الثنائيّة تطبيقاً لمعاهدة الأخوّة والتعاون والتنسيق بين لبنان وسوريا باشراف الأمانة العامة للمجلس الأعلى السوري – اللبناني الذي كان يُحضِّر الاجتماعات الدوريّة بين الوزارات في كلَي البلدين، ولجهة الاجتماعات الثلاثيّة والرباعيّة بين وزراء كهرباء مصر وسوريا والأردن ولبنان ومن ثمّ انضمام العراق وتركيا لإقامة ما سُمّي حينها الربط الكهربائي الخُماسي والسداسي ولم يتحقّق منذ تسعينيّات القرن الماضي.

توقيع اتّفاقيّة الأمس لم يحمل إلا الوعد باستجرار الطاقة في بداية الربيع. إذاً الأمرُ مؤجّل ثلاثة إلى أربعة أشهر في حال سارت الأمور كما هو مرسوم لها، وتأمّن التمويل من البنك الدولي الذي ينتظر بطبيعة الحال الضوء الأخضر الأميركي. حتى أنّ عدد الساعات الإضافيّة التي سيتزوّد بها لبنان لم يحسمه الوزير فيّاض. فهو صَفَن عند سؤاله عن هذا الأمر، وأجرى كما بدا على التلفزيون، حساباً عقلياً ( calcul mental ) قبل أن يجيب بـ” ثلاث إلى أربع ساعات تقريباً”.

وأوضح المستشار أنً عبارة “تقريباً” لا تُعدُّ جواباً علمياً مُطمئناً يشفي الغليل.

وعاد بالذاكرة إلى الخطّة الثلاثيّة التي وضعها الوزير الراحل افرام والتي قسّمها على مرحلة طارئة أولى تمتدّ مئة يوم، والمرحلة الثانية متوسّطة المدى لغاية سنة والثالثة طويلة المدى تؤمّن الطاقة 24/24 خلال ألف يوم.

تزامن ذلك مع وعد الربيع الذي أطلقه رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، وإصراره بعد توقّف النار في 1990 وبدء تنفيذ وثيقة الوفاق الوطني التي سُمّيت اتّفاق الطائف، على اصلاح البنى التحتيّة بدءاً بالمطار وشبكة الطرق والجسور والمياه والكهرباء والهاتف.

وكان الحريري يتّهم افرام بالعرقلة وعدم توقيعه على تجهيز معملين ايطاليين اثنين جديدين لتوليد الطاقة بقدرة 450 ميغاوات كلّ واحد منهما في منطقتي الزهراني والبدّاوي، وذلك في إطار التوزيع الطوائفي للطاقة وتوازناً مع وجود معمل في الزوق ومعمل في الجيّة.

لكنّ الوزير افرام اكتشف ان المعملين المزمع تركيبهما وكلفتهما 900 مليون دولار، ليسا جديدين وإنما مُستعملان وكانا مُشَغَّلين في إحدى الدول الإفريقيّة وتمّ تحديثهما وتجهيزهما على أنهما جديدان.

وفيما كان يماطل، كان يجري محادثات جانبية مع شركتي ABB السويسرية وGE الأميركية والستوم الفرنسية، فثار الجانب الايطالي ومن يقف وراءه وأمامه من المستفيدين والمنتفعين “الكوميسيَنْجيّي” الذين مُنِح عدد منهم أوسمة من الدولة الايطالية على “وفائهم وولائهم”.

فما كان من الرئيس الراحل حينها الياس الهراوي إلا أن أقال افرام من وزارة الموارد، وعيّنه وزير دولة من دون حقيبة. وتمّ تكليف الوزير الراحل الياس حبيقة الذي كان وزيراً لشؤون المهجّرين بديلاً عنه، فوقّع الاتّفاقية بعد أسبوع.

أما وعد الربيع، فلا يزال حتى الساعة وعداً من دون تنفيذ.

بالعودة الى افرام الهادئ، وبعدما كلّف حاكم مصرف لبنان السابق المحامي والدستوري والمشرّع الدكتور ادمون نعيم بدراسة قانونيّة خطوة الهراوي من عدمها، استند الى مطالعة محاميه وتقدّم بشكوى امام مجلس شورى الدولة ضدّ قرار رئيس الجمهورية باقالته من وزارة الموارد، فما كان من الهراوي إلا أن استدعى الحريري إلى بعبدا وأصدرا مرسوم اقالته نهائياً.

أما في مرحلة الوزير طرابلسي (1998 -2000)، فقد صارح (على عكس الوزراء الآخرين) اللبنانيّين بعدم القدرة على تأمين الطاقة 24/24، إلا في حال بناء مصانع جديدة وتغيير وتطوير محطات التوليد وتحهيز شبكات النقل ورفع كلفة الكيلوات وتركيب عدّادات الكترونيّة يصعب التلاعب بها ومنع التعليق وضبط الجباية.

بدأ طرابلسي بتنفيذ هذه الخطة المتكاملة، وكانت كهرباء فرنسا EDF سنداً داعماً واستشارياً لمؤسسة كهرباء لبنان وقتها.

لكن العدوان الاسرائيلي في العام 2000 وتدمير محطة الجمهور وغيرها وشبكات النقل، أثّر سلباً على تنفيذ الخطّة وأدّى إلى تراجع في ساعات التغذية.

عقد طرابلسي أكثر من اجتماع مع وزير الكهرباء السوري منيب صائم الدهر في بيروت وفي دمشق التي كانت “تبيع” الكهرباء للبنان عن طريق المصنع، وتصل القاتورة أحياناً إلى 200 مليون دولار، وكان لبنان يّسدّدها بالعملة الصعبة للشقيقة بكلّ “طيبة خاطر”.

لكنّ الوزير طرابلسي الآدمي والحريص على الأموال العامة هو الآتي من منصب المدعي العام لديوان المحاسبة، كان لديه الشكوك غير المقرونة بالوقائع بقيمة الفواتير من دون أن يكون لديه أيضاً الدليل الحسّي.

في مشهد الأمس، كان الأمين العام للمجلس الأعلى السوري – اللبناني نصري الخوري غائباً عن الصورة، وحلّ بديلاً عنه السفير السوري علي عبد الكريم علي.
فهل سيعود لبنان إلى زمن المعاهدة – الوصاية التي شكا منها طوال فترة الاحتلال؟

شو رأيك؟ بدك ويب سايت بس بـ5$ بالشهر