في خضم مرحلة دقيقة يعيشها لبنان، تزداد فيها التحديات السياسية والأمنية، شدّد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون على أن “خيار التفاوض هو السبيل الوحيد المتاح أمام لبنان”، موضحاً أن “التفاوض لا يكون مع حليف أو صديق، بل مع عدوّ”، مؤكداً أن “لغة الحوار والدبلوماسية تبقى أهم من لغة الحرب التي لم تجلب سوى المآسي”.
وأشار إلى أن جميع المسؤولين، من رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى رئيس الحكومة نواف سلام، يلتقون على هذا النهج القائم على تغليب منطق التفاهم على التصعيد.
في موازاة ذلك، استقبل الرئيس عون عائلة الشاب إيليو أبو حنا الذي قُتل برصاص مسلحين في مخيم شاتيلا، مؤكداً أن التحقيقات مستمرة “حتى النهاية”، وأنه “لن يكون هناك أي تهاون مع المتورطين والمحرّضين”.
وفي عين التينة، التقى الرئيس نبيه بري وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجار، حيث جرى عرض آخر المستجدات السياسية والأمنية، إلى جانب ملفات تشريعية مطروحة على جدول الأعمال.
أما في السراي الكبير، فاستقبل رئيس الحكومة نواف سلام وفداً من وكالة التنمية الفرنسية (AFD) بمناسبة مرور 25 عاماً على التعاون مع لبنان، مثنياً على الدعم الذي قدّمته الوكالة خلال أصعب مراحل البلاد، ومؤكداً أن “الحكومة تعمل على توجيه الاقتصاد نحو النمو المستدام بقيادة القطاع الخاص، في ظل نظام حوكمة فعّال وخاضع للمساءلة”.
وفي الشأن الخارجي، علّق المبعوث الأميركي السابق إلى لبنان آموس هوكشتاين على تصريحات توم براك التي وصفت لبنان بـ”الدولة الفاشلة”، قائلاً إنّ “المجتمع الدولي يتحمل جزءاً من المسؤولية”، مشدداً على وجوب دعم إعادة الإعمار في الجنوب بدل ترك الفراغ الذي “تملؤه أطراف غير مرغوبة دولياً”.
وفي المقابل، اعتبر أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران، علي لاريجاني، أن المبعوث الأميركي “أدرك صعوبة نزع سلاح حزب الله”، ما دفعه إلى إطلاق تهديدات علنية.
ميدانياً، صعّدت إسرائيل من اعتداءاتها، إذ نفّذت طائرة مسيّرة غارة بثلاثة صواريخ موجهة على مفترق الشرقية في بلدة الدوير، ما أدى إلى استشهاد محمد علي حديد وجرح سبعة مدنيين. كما استشهد مواطن آخر في غارة على بلدة عيتا الشعب في قضاء بنت جبيل.
في سياق آخر، تسلّم لبنان التحقيقات الليبية المتعلقة باختفاء الإمام موسى الصدر، حيث نقل وزير الدولة الليبي وليد اللافي إلى الرئيس عون “حرص بلاده على إعادة تفعيل العلاقات السياسية والقضائية”، مؤكداً أن الزيارة “بداية لمسار تعاون جديد” بين البلدين.
من جانبه، شدد النائب حسين الحاج حسن على أن “المقاومة لن تتنازل ولن تستسلم”، منتقداً من “يستعجلون التراجع تحت الضغط”، على حد تعبيره.
إقليمياً، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن حكومته هي من ستحدد هوية القوات الدولية المسموح لها بدخول غزة، نافياً أي دور تركي في ذلك، وقال إن “إسرائيل دخلت مرحلة جديدة من المبادرة الدائمة والتغيير الذاتي”.
وفي الدوحة، التقى رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني نظيره المصري مصطفى مدبولي، لبحث العلاقات الثنائية والتطورات في غزة، مؤكداً ضرورة “تضافر الجهود لضمان تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وصولاً إلى سلام دائم”.
أما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فشدّد على أن “حماس ملتزمة بتنفيذ الاتفاق”، منتقداً مماطلة إسرائيل في التزاماتها، فيما دعا وزير الخارجية هاكان فيدان إلى “وقف الانتهاكات وضمان دخول المساعدات”، مشيراً إلى استعداد حماس “لتسليم إدارة غزة إلى لجنة فلسطينية”.
بدوره، قال المرشد الإيراني علي خامنئي إن “أي تعاون مع واشنطن غير ممكن ما دامت تدعم إسرائيل وتتدخل في شؤون المنطقة”، مجدداً رفض طهران لأي وجود عسكري أميركي في الشرق الأوسط.
وعلى الساحة الدولية، أقر الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنه “ضغط قليلاً” على نتنياهو للوصول إلى اتفاق تهدئة في غزة، مشيراً إلى أن “الهدنة الحالية صلبة رغم التحديات”، في حين نفت الصين اتهامات واشنطن بإجراء تجارب نووية سرية، مؤكدة التزامها بسياسة “الدفاع السلمي وعدم استخدام السلاح النووي أولاً”.
بين مواقف التصعيد والدعوات إلى الحوار، يبدو أن لبنان يقف اليوم على حافة منعطف جديد، حيث تتقاطع الضغوط الإقليمية والدولية مع أزماته الداخلية، وسط أملٍ خافت بأن يترجم خيار التفاوض إلى إنقاذٍ فعلي قبل فوات الأوان.

