في تطور أمني خطير وغير مسبوق، شهد الجنوب اللبناني اعتداءً جديداً من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي التي توغلت أكثر من كيلومتر داخل بلدة بليدا الحدودية، مدعومة بآليات عسكرية، حيث اقتحمت مبنى البلدية وأقدمت على قتل الموظف إبراهيم سلامي أثناء نومه في مكتبه، في خرق فاضح للسيادة اللبنانية وانتهاك واضح للقرار الدولي 1701 واتفاق وقف الأعمال العدائية.
رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون وصف الاعتداء بأنه عدوان سافر يندرج ضمن سلسلة الممارسات الإسرائيلية المتكررة ضد لبنان، داعياً لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية إلى التحرّك الفعلي وعدم الاكتفاء بتسجيل الوقائع، والعمل على الضغط على إسرائيل لوقف انتهاكاتها. وقد تزامن هذا الموقف مع قصف الطيران الإسرائيلي لمنطقة الجرمق – المحمودية المحيطة ببلدة العيشية، مسقط رأس الرئيس، بالتوازي مع اجتماع أمني عقده مع قائد الجيش العماد رودولف هيكل لتكليف المؤسسة العسكرية بالتصدي لأي توغلات جديدة. كما حلّقت طائرات مسيّرة إسرائيلية فوق الضاحية الجنوبية لبيروت المحاذية للقصر الرئاسي في بعبدا بعد صدور القرار.
بدوره، ندّد رئيس مجلس النواب نبيه بري بما وصفه “العدوان الإسرائيلي المتمادِي” على لبنان، معتبراً أن ما حصل في بليدا والعديسة والقصف الجوي على أطراف بلدات العيشية والجرمق والخردلي يشكل استباحة خطيرة للسيادة الوطنية وخرقاً فاضحاً لقرارات الأمم المتحدة، مؤكداً أن ما يجري هو عدوان لا يُواجَه بالإدانة فقط بل بوحدة الموقف الوطني خلف رئيس الجمهورية والجيش اللبناني.
أما رئيس مجلس الوزراء نواف سلام، فكتب على منصة “إكس” أن ما جرى هو اعتداء صارخ على مؤسسات الدولة اللبنانية وسيادتها، مستنكراً استهداف موظف بلدي أثناء تأدية واجبه. وفي السياق نفسه، زار النائب ميشال المر وزير الدفاع اللواء ميشال منسّى حيث ناقشا الأوضاع الأمنية ودور الجيش في حفظ الاستقرار، وأكد المر دعمه الكامل للمؤسسة العسكرية وضرورة تحييدها عن التجاذبات السياسية.
من جهتها، أصدرت قيادة الجيش بياناً أدانت فيه ما وصفته بالعمل الإجرامي والخرق السافر للسيادة اللبنانية، مؤكدة أن الادعاءات الإسرائيلية باطلة وأن الجيش يتابع هذه الانتهاكات بالتنسيق مع قوات “اليونيفيل”، التي عبّرت عن قلقها العميق من التوغل الإسرائيلي واعتبرته انتهاكاً واضحاً للقرار 1701 ولسيادة لبنان.
وفي موقف سياسي لافت، اعتبر “حزب الله” أن العدو الصهيوني يواصل جرائمه بحق الأراضي اللبنانية بغطاء أميركي مباشر، مشيراً إلى أن واشنطن تمنح إسرائيل الضوء الأخضر لتصعيد اعتداءاتها بهدف الضغط على لبنان لتنفيذ أجندات لا تخدم مصالحه الوطنية ولا تحفظ عناصر قوته.
على الصعيد الاقتصادي، عقدت لجنة المال والموازنة برئاسة النائب إبراهيم كنعان جلسة لمناقشة مشروع موازنة 2026، حيث أكد كنعان رفض اللجنة فرض أي ضرائب أو رسوم جديدة دون دراسة معمقة، مشدداً على ضرورة حماية الودائع المشروعة وعدم المساس بحقوق المودعين.
إقليمياً، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن حكومته تعمل على تحقيق هدف نزع سلاح غزة، متوعداً بمزيد من الضربات الموجعة ضد حماس إذا واصلت خرق الاتفاقات، فيما أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن إيران منفتحة على مفاوضات عادلة قائمة على المصالح المشتركة، لافتاً إلى أن راية التفاوض لم تسقط يوماً من يد الجمهورية الإسلامية. أما الصين فقد حثت الولايات المتحدة على الالتزام الجاد بالحظر العالمي للتجارب النووية، بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عزمه استئنافها فوراً.
يأتي هذا التصعيد الإسرائيلي في وقت حساس يواجه فيه لبنان أزمات داخلية متشابكة وأوضاعاً اقتصادية صعبة، ما يجعل التوغل في بليدا أخطر خرق ميداني منذ اتفاق 2006. وقد أظهر الموقف الرسمي اللبناني إجماعاً نادراً بين الرئاسة والجيش والبرلمان على إدانة العدوان والدعوة إلى التماسك الوطني، فيما يبقى الجنوب مجدداً ساحة اختبار لقدرة المجتمع الدولي على ردع إسرائيل واحترام القرارات الأممية وصون السيادة اللبنانية.

