في ظل ما يعانيه لبنان من أزمة مالية خانقة، يبرز السؤال الأهم: من المسؤول عن سرقة أموال المودعين؟ كيف تحولت ودائع الناس إلى أداة في يد الفاسدين لتدمير النظام المالي والاقتصادي؟ الإجابة ليست صعبة، بل تتطلب نظرة معمقة إلى السنوات الماضية، حيث تكالبت مجموعة من القوى السياسية والاقتصادية لتدمير الثروات الوطنية، وجعلت الشعب اللبناني يدفع الثمن.
الدولة الفاشلة:
لطالما كانت الدولة اللبنانية، في عهد العديد من الحكومات المتعاقبة، على رأس قائمة الفشل في إدارة الأموال العامة. فقد أنفقت الأموال على مشاريع وهمية لم تحقق أي فائدة حقيقية للاقتصاد الوطني مثل السدود والكهرباء والدعم الموجه لقطاعات فاسدة، فضلًا عن تمويل زبائنية سياسية دمرّت سمعة المؤسسات الحكومية. وكان كل ذلك يتم بهدف الحفاظ على نظام clientéliste فاشل يحمي مصالح طبقة معينة على حساب الغالبية الساحقة من الشعب اللبناني.
مصرف لبنان الشريك في الجريمة:
لا يمكن الحديث عن فساد القطاع المالي دون الإشارة إلى دور مصرف لبنان في هذه الأزمة. فقد اتبع السياسات الكارثية التي أسفرت عن تمويل العجز وخلق واقع وهمي من التثبيت المالي، في ظل دعم غير واقعي أدى إلى إفقار الخزينة العامة. بدلاً من حماية ودائع المواطنين، تحول مصرف لبنان إلى شريك رئيسي في الجريمة، حيث حول أموال المودعين إلى قروض لحكومات فاسدة، أفرغ خزائن المصرف لإنقاذ النظام الفاشل.
المصارف المقامرة:
من جانبها، لعبت المصارف الخاصة دورًا فاضحًا في المقامرة بأموال المودعين. فقد استثمرت المصارف الأموال في مشاريع مغرية طمعًا بالفوائد العالية، لكنها كانت على علم تام بالمخاطر التي تحملها هذه الاستثمارات. لم يقتصر دور المصارف على عدم حماية أموال المودعين، بل كانت تشارك بنشاط في الفخ المالي الذي أوقع لبنان في أزمة خانقة.
مصدر متابع يكشف لـLTN:
قال مصدر متابع لملف الأزمة المالية اللبنانية لـLTN إن “المنظومة بكاملها كانت على علم مسبق بأن النموذج المالي سينهار، لكن الرغبة في حماية مصالح الطبقة الحاكمة وتغطية العجز بأي ثمن كانت أقوى من أي منطق اقتصادي أو مسؤولية وطنية”. وأضاف أن “ما جرى لم يكن نتيجة سوء تقدير، بل قرار متعمد بإدارة الانهيار لمصلحة القلة على حساب الأكثرية”.
النتيجة: ثلاثي الفساد:
لقد اجتمعت الدولة الفاشلة، مصرف لبنان، والمصارف الخاصة لتدمير النظام المالي اللبناني. الثلاثي الذي سعى إلى الحفاظ على مصالحه الخاصة بينما دمّر الاقتصاد وأفرغ جيوب اللبنانيين، وحول أموالهم إلى هواء. اليوم، يحاول هؤلاء تحميل الضحايا تبعات فشلهم، وتدّعي الحكومات أنها تعمل على معالجة الأزمة في حين أنها مسؤولة عن وقوعها.
المحاسبة المطلوبة:
إن المطلوب اليوم هو محاسبة شاملة لكل من ساهم في تدمير الاقتصاد اللبناني:
- تجميد أصول كل مسؤول منذ عام 1992 حتى اليوم.
- استرداد الأموال من المشاريع الفاشلة التي استنزفت خيرات الشعب اللبناني.
- محاكمة كل من أقرّ سياسة “تمويل العجز والدعم” التي كانت السبب في تدمير الاقتصاد.
هذه ليست أزمة اقتصادية فحسب، بل هي جريمة مالية منظمة بحق شعب بأكمله. إن الشعب اللبناني لن يقبل بعد الآن أن يكون ضحية لسياسات فاشلة، ويجب على المسؤولين أن يتحملوا العواقب.