أكد الخبير في القانون الدولي وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، محمد محمود مهران، أن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مصر تشكل نقطة تحول هامة في العلاقات بين البلدين، حيث حملت العديد من الرسائل السياسية والقانونية التي تؤكد على التعاون الاستراتيجي في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية. تأتي هذه الزيارة في وقت بالغ التعقيد من حيث الظروف الإقليمية، التي تتطلب تحركًا منسقًا بين الدول لمواجهة القضايا المشتركة، أبرزها الأزمة الإنسانية في غزة والتهديدات الأمنية في المنطقة.
وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، شدد مهران على التوافق بين الرئيسين المصري والفرنسي حول رفض أي محاولات لتهجير الفلسطينيين قسرًا من أراضيهم، مما يعكس التزامًا صريحًا بأحكام القانون الدولي. أشار إلى أن هذا الموقف يستند إلى المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر النقل القسري للسكان، وكذلك نظام روما الأساسي الذي يعد التهجير القسري جريمة حرب.
كما نوه مهران إلى الدعوة المشتركة لوقف إطلاق النار الفوري في غزة، مؤكدًا أن هذا الموقف يتماشى مع المادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف التي تلزم أطراف النزاع بحماية المدنيين. وأضاف أن المبادرة المصرية لإعادة إعمار غزة تكتسب أهمية قانونية خاصة في ظل تقاعس إسرائيل عن الوفاء بالتزاماتها كقوة احتلال وفقًا للمواد 55 و56 من اتفاقية جنيف الرابعة.
وتناول مهران الموقف المصري الفرنسي المشترك في مواجهة الأزمات الإقليمية الأخرى، مشيرًا إلى تأكيد الرئيسين على ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للجولان، فضلًا عن التزامهما الكامل بتنفيذ القرار الأممي 1701 بشأن لبنان، مع إدانة الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة للسيادة اللبنانية.
أما في ملف الأمن المائي، فقد أكد مهران أن الموقف المصري من سد النهضة يستند إلى أسس قانونية متينة، وفي مقدمتها اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997 بشأن استخدام المجاري المائية الدولية، والتي تنص على الاستخدام المنصف والمعقول للمياه. كما لفت إلى أن الدعم الفرنسي للموقف المصري في هذا الملف يعكس التزامًا بالقانون الدولي.
وعلى الصعيد الاقتصادي، سلط مهران الضوء على أهمية الدعم الفرنسي والأوروبي لمصر، والذي تجسد مؤخرًا في موافقة البرلمان الأوروبي على صرف الشريحة الثانية من حزمة الدعم المالي بقيمة أربعة مليارات يورو، مما يعكس الاعتراف الدولي بالدور المحوري لمصر في تحقيق الاستقرار الإقليمي.
وفي إطار التعاون الثنائي بين البلدين، أبرز مهران أهمية الاتفاق على تعزيز التعاون في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية وضمان حرية الملاحة في قناة السويس، وفقًا لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982.
من جانبه، أكد الخبير المصري في شؤون الأمن القومي محمد مخلوف أن زيارة ماكرون إلى مصر تمثل خطوة هامة لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، خصوصًا في إطار القضايا الإقليمية الملحة. كما أشار إلى أن قمة ماكرون الثلاثية مع الرئيس السيسي وملك الأردن عبدالله الثاني كانت فرصة لمناقشة الوضع في غزة والبحث عن سبل لتحقيق وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية.
مخلوف نوه أيضًا إلى زيارة ماكرون إلى مدينة العريش، القريبة من قطاع غزة، التي تعكس دعم فرنسا للجهود المصرية في تقديم المساعدات الإنسانية. كما أضاف أن الزيارة أكدت رفض فرنسا لتهجير الفلسطينيين قسرًا، وتأييدها لحل الدولتين كحل طويل الأمد لتحقيق السلام.
فيما يتعلق بالزيارة إلى منطقة خان الخليلي في القاهرة، أشار مخلوف إلى دلالاتها الأمنية والسياسية العميقة، حيث تعكس ثقة الأجهزة الأمنية المصرية في قدرتها على تأمين الشخصيات الرفيعة في بيئة مفتوحة ومعقدة. وأوضح أن هذه الزيارة كانت رسالة قوية حول استقرار مصر وأمنها، والتي كانت بمثابة رد على أي تقارير دولية قد تشكك في الوضع الأمني في البلاد.
وفي ختام تصريحاته، أكد مخلوف أن هذه الزيارة تحمل رسائل اقتصادية قوية للمستثمرين في الداخل والخارج، مفادها أن مصر ليست فقط مستعدة لجذب الاستثمارات، بل تؤكد استقرارها من خلال الصورة الواقعية، وليس عبر التصريحات فقط.