للعام الثامن على التوالي، تتصدر فنلندا قائمة الدول الأكثر سعادة في العالم، وفقًا للتقرير السنوي الصادر برعاية الأمم المتحدة، فيما سجلت الولايات المتحدة تراجعًا غير مسبوق في التصنيف.
جاءت الولايات المتحدة في المرتبة الـ24، وهو أدنى مركز لها منذ إطلاق التقرير لأول مرة عام 2012، عندما احتلت المرتبة 11 كأفضل تصنيف لها.
ويرى معدو التقرير أن “مشاركة الوجبات” تلعب دورًا جوهريًا في مستوى السعادة، مشيرين إلى ارتفاع نسبة الأميركيين الذين يتناولون الطعام بمفردهم بنسبة 53% خلال العقدين الماضيين. ففي عام 2023، أفاد واحد من كل أربعة أميركيين بأنه تناول جميع وجباته بمفرده في اليوم السابق، وهو اتجاه قد يكون أحد أسباب تراجع مستويات الرضا عن الحياة في البلاد.
أميركا والوفيات الناجمة عن “اليأس”
التقرير يسلط الضوء أيضًا على ظاهرة “الوفيات الناجمة عن اليأس” – والتي تشمل الانتحار والإفراط في تناول الكحول والمخدرات – حيث تسجل الولايات المتحدة زيادة في هذه الحالات، بينما تنخفض في معظم دول العالم.
استند التقرير إلى دراسة سلوك السكان خلال الفترة بين 2022 و2024، مما يعني أن نتائجه لا تعكس التغييرات السياسية الأخيرة مثل عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
السعادة الإسكندنافية وتقدّم غير متوقّع
لم يقتصر التفوق على فنلندا، إذ احتلت الدنمارك وأيسلندا والسويد مراكز متقدمة في قائمة الدول العشر الأكثر سعادة. والمفاجأة هذا العام كانت دخول كوستاريكا والمكسيك إلى هذا التصنيف، حيث احتلت الأولى المركز السادس والثانية المركز العاشر.
أما أفغانستان، التي تعاني من أزمة إنسانية حادة منذ استعادة طالبان السلطة عام 2021، فقد جاءت مجددًا في المرتبة الأخيرة كأكثر الدول تعاسة في العالم.
كيف تُقاس السعادة؟
يعتمد تصنيف الدول على متوسط تقييمات السكان لرضاهم عن حياتهم على مدار ثلاث سنوات، إلى جانب عدة عوامل مثل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، ومستوى الدعم الاجتماعي، ومتوسط العمر الصحي، ومدى الحرية الشخصية، ومستويات الكرم، وانخفاض الفساد.
السرّ وراء السعادة الفنلندية
في حديث لوكالة “فرانس برس”، قال فرانك مارتيلا، الأستاذ المساعد في جامعة آلتو الفنلندية، إن سر السعادة في بلاده يكمن في جودة المجتمع، حيث تتمتع فنلندا بديمقراطية قوية، وانتخابات حرة، وحرية تعبير، ومستويات فساد منخفضة، ما يعزز الرضا العام بين المواطنين.
إلى جانب ذلك، تتمتع الدول الإسكندنافية بأنظمة رعاية اجتماعية متقدمة، تشمل إجازات الوالدين، ودعماً للعاطلين عن العمل، ورعاية صحية شاملة، مما يخلق بيئة مستقرة ومريحة للعيش.
وترى إيفيلينا يليتولونين، وهي طالبة فنلندية تبلغ 23 عامًا، أن عشق الفنلنديين للطبيعة يعدّ أحد أسرار سعادتهم، قائلة: “لدينا أكثر من 160 ألف بحيرة وغابات شاسعة، وهذا يمنحنا راحة نفسية كبيرة”.
الكرم واللطف.. مفتاح السعادة
أكد التقرير أن التصرفات القائمة على اللطف والإحسان، مثل مساعدة الآخرين والثقة بالمجتمع، تعدّ مؤشرات أقوى للسعادة من مجرد امتلاك ثروة كبيرة.
وأشار الباحثون إلى أن الناس غالبًا ما يستخفون بمستوى اللطف في مجتمعاتهم، لافتين إلى أن معدّل إعادة المحافظ المفقودة كان أعلى بكثير مما توقعه المشاركون في الدراسة.
ويبدو أن هذا الشعور بالترابط الاجتماعي هو ما يمنح الدول الإسكندنافية مكانتها المميزة في قائمة أسعد دول العالم عامًا بعد عام.