أكد الخبير الاقتصادي وعضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أنيس أبو دياب، في حديث لـ”ليبانون ديبايت”، أن “الأزمة الاقتصادية في لبنان تتجاوز كونها مجرد أزمة مالية أو نقدية، فهي أزمة شاملة تتطلب إصلاحات جذرية”، مشددًا على أن “المشكلة الأساسية تكمن في الفساد والهدر، إلى جانب غياب الدولة وتراجع مؤسساتها، خاصة القطاعات الإنتاجية والخدمات العامة مثل الكهرباء، الإنترنت، والبنية التحتية، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية لدى اللبنانيين”.
وأوضح أبو دياب أن “الخروج من دوامة التضخم، الذي يتأثر بعوامل محلية وعالمية، أبرزها الحروب في المنطقة من اليمن إلى العراق وفلسطين ولبنان، إضافة إلى الحرب الروسية الأوكرانية التي رفعت الأسعار عالميًا، يستدعي إصلاحًا هيكليًا. إلا أن الانهيار الأكبر في لبنان لم يكن مجرد نتيجة لهذه الأزمات، بل جاء بسبب انهيار المؤسسات، وعلى رأسها القطاع المصرفي، وغياب التمويل للقطاعات الإنتاجية، مما أدى إلى شلل اقتصادي واسع. لذلك، لا بد من إصلاح فعلي وعميق للمالية العامة والقطاع العام لإعادة تحريك عجلة الاقتصاد”.
وأشار إلى أن “القطاع المصرفي يجب أن يكون نقطة الانطلاق في أي عملية إصلاحية، عبر إعادة هيكلته، ووضع آلية عادلة لتوزيع الخسائر وضمان استعادة ودائع المواطنين، إضافة إلى ضرورة استعادة الثقة في الاقتصاد اللبناني، فغياب الثقة يؤدي إلى فشل أي جهود إنعاش. لذلك، من الضروري جذب الاستثمارات الأجنبية واستثمارات اللبنانيين المغتربين، وتشجيع السياحة الخليجية، فهذه العوامل كفيلة بإعادة الاقتصاد اللبناني إلى مساره الطبيعي، خاصة بعد أن تراجع الناتج المحلي من 55 مليار دولار عام 2019 إلى 27 مليار دولار حاليًا، ما انعكس بشكل مباشر على القدرة الشرائية ومستوى الدخل”.
وأضاف أن “استعادة النمو الاقتصادي ممكنة خلال خمس سنوات إذا تم تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، مع ضرورة الالتزام بالقرارات الدولية، وأبرزها القرار 1701، الذي يفتح المجال أمام التعاون مع صندوق النقد الدولي. فمن خلال هذه الخطوات، يمكن للبنان تأمين تمويل دولي يساعده على الخروج من أزمته وإرساء اقتصاد مستدام”.
وختم أبو دياب حديثه قائلاً: “يجب أن ندرك أن الاقتصاد اللبناني شهد انكماشًا بنسبة 7.2% في عام 2024، وهو تراجع خطير، ولكن إذا تم تنفيذ الإصلاحات بجدية، يمكن تحقيق نمو سنوي بنسبة 6%، مما يسمح باستعادة الناتج المحلي إلى 55 مليار دولار خلال أربع إلى خمس سنوات. فكلما زاد حجم الاقتصاد، تحسنت القدرة الشرائية والرواتب، مما يعزز الاستهلاك، وهو عنصر أساسي يشكل 80% من الناتج المحلي. وعليه، فإن تحسين القدرة الشرائية يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتحفيز الإنتاج، جذب الاستثمارات، مكافحة الفساد، وتقليص الهدر، بالإضافة إلى ضرورة تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان للإشراف على تنفيذ هذه الإصلاحات”.