تُبرز تصريحات الوزير السابق والمصرفي رائد خوري لصحيفة “نداء الوطن” واقع التحويلات المالية في لبنان في ظل الأزمات الاقتصادية والمصرفية المستمرة. ورغم غياب الإحصاءات الدقيقة، يبدو أن حجم التحويلات عبر النظام المصرفي لم يشهد تغييرات كبيرة، ما يعكس استمرار فقدان الثقة في القطاع المصرفي اللبناني.
وبحسب خوري، يظل الاقتصاد النقدي العامل الأبرز في الحركة الاقتصادية داخل البلاد، حيث يتجنب العديد من اللبنانيين النظام المصرفي بسبب انعدام الثقة الذي نشأ عن الأزمات الأخيرة، لا سيما تجميد الودائع وتقنين السحوبات. وتأتي التحويلات المالية إلى لبنان غالبًا من شركات تحويل الأموال أو من تدفقات نقدية مباشرة، مما يؤكد أن معظمها يُستخدم لتلبية الاحتياجات اليومية للأسر وليس كأداة استثمارية.
وأوضح خوري أن استخدام النظام المصرفي يقتصر على تلبية الاحتياجات الأساسية للأسر اللبنانية، وهو مؤشر على غياب الادخار والاستثمار، ما يُضعف من دور القطاع المصرفي كركيزة أساسية لتحفيز الاقتصاد.
ولفت خوري في حديثه للصحيفة إلى أن إدراج لبنان على اللائحة الرمادية فعّل عملية التدقيق بالتحويلات الواردة أكثر فأكثر، وباتت هناك دول تتشدّد أكثر بالتحويلات إلى لبنان مثل تركيا، وهو عامل لن يصبّ في مصلحة زيادة التحويلات عبر النظام المصرفي، خصوصاً أن التحويلات النقدية التي كانت ترد عبر المطار او البرّ لا يمكن إتمامها من خلال النظام المصرفي، لأن أصحاب تلك التحويلات ليسوا عملاء مصرفيين خاضعين لقوانين الامتثال، وبالتالي قد يلجأ هؤلاء إلى شركات تحويل الاموال بدلاً من المصارف، إلا أن الوسائل المتاحة لا تعوّض التدفقات النقدية التي كانت ترد إلى البلاد عبر السياحة أو “الحقائب”.
وفيما رأى أنه لا يمكن تحديد حجم التدفقات النقدية إلى لبنان، رجّح أن تكون تراجعت نتيجة صعوبة تمويل الأحزاب في المرحلة الحالية، معتبراً أن تراجع التدفقات المالية والنقدية الشرعية وغير الشرعية إلى لبنان، من أموال المغتربين وأموال السياحة، سيشكّل أزمة مالية واقتصادية في حال طال أمد الحرب إلى أكثر من 3 أو 4 أشهر، “حيث سيتقلّص حجم احتياطي مصرف لبنان بالعملة الاجنبية وقد يتأثر سعر صرف العملة المحلية، وسنبدأ نشهد إقفال مؤسسات وشركات وتسريح عمال…”.
وختم الوزير السابق والمصرفيّ “نحن صامدون بالحدّ الأدنى. وأيّ تراجع في حجم التدفقات المالية سيدفعنا إلى الهاوية!”.
أما بالنسبة إلى شركات تحويل الأموال، فقد أكدت مصادرها لـ”نداء الوطن” أن شهر أيلول، وهو الشهر الذي بدأت فيه الأحداث الأمنية في لبنان، عادة ما يشهد زيادة في التحويلات المالية من الخارج لتسديد أقساط المدارس والجامعات، إن من قبل المغتربين أو من قبل مؤسسات وجمعيات. وبالتالي لا يمكن التعويل على شهر أيلول لمقارنة زيادة حجم التحويلات التي تشهد في تلك الفترة من كلّ عام ارتفاعاً ملحوظاً. اما بالنسبة لشهر تشرين الأول، وهو الشهر الذي تصاعدت فيه حدّة الضربات العسكرية وتهدمت خلاله آلاف المباني مما تسبّب بنزوح آلاف المواطنين، فقد شهد ارتفاعاً في نسبة التحويلات المالية من الخارج عبر شركات تحويل الأموال بنسبة 20 في المئة وفقاً لمدير عام وزارة الاقتصاد والتجارة محمد أبو حيدر الذي أكد لـ”نداء الوطن” أن تلك الزيادة ناتجة عن الدعم المالي العائلي الذي يرسله أقرباء النازحين في الخارج لمساعدتهم في تلبية احتياجاتهم البسيطة من تسديد كلفة إيجار مسكن جديد، أو تأمين احتياجاتهم الغذائية وغيرها، معتبراً انها تحويلات بغرض تأمين الحاجات الملحّة بوسيلة سريعة.
في المقابل، يؤكد مصدر مصرفي للصحيفة أن البلاد في حالة مأسوية على الصعيد الاقتصادي بسبب اقتصار نشاط الدورة الاقتصادية على المؤسسات الغذائية مثل السوبرماركت ومحطات الوقود. مشيراً الى انه لا يوجد أي مؤشر على الصعيد المصرفي لزيادة التحويلات إلى لبنان، “لا بل أصبحت عملية التحويل متشدّدة بنسبة كبيرة نتيجة إدراج لبنان على اللائحة الرمادية وتوقف عدد من البنوك المراسلة الصغيرة عن التعامل مع كافة مصارف لبنان”. ولفت إلى رفض البنوك المراسلة إتمام عدد كبير من عمليات التحويل وفرض شروط أقسى للامتثال تتعلّق بإبراز الإثباتات الموثقة للحاجة لإتمام التحويلات بالإضافة إلى مصدر الأموال، حتّى في حالة المبالغ الصغيرة. مؤكداً أن عمل المصارف أصبح يقتصر على العمولات وعلى بعض بطاقات الائتمان وعلى التعميمين 158 و166 فقط لا غير!
وشدد المصدر المصرفيّ على عدم إمكانية تعويض التراجع في التدفقات النقدية التي كانت تدخل إلى البلاد من خارج النظام المصرفي، لأن أصحاب تلك الأموال غير قادرين على التحوّل إلى النظام المصرفي أو إلى شركات تحويل الأموال، “علماً أنهم ما زالوا لغاية اليوم يجدون بعض السبل لإدخال تلك الأموال إلى لبنان، في حين أن بعضهم فتح خطوطاً لنقل أمواله نقداً إلى دول أخرى”.
وحول صعوبة الصمود من دون تلك التدفقات النقدية التي كانت تدرّ الدولارات في السوق، أكد المصدر نفسه أن هناك حوالى 15 مليار دولار من الأموال النقدية مودعة في المنازل، “إلا أن هدف تلك الاموال هو الادّخار وليس الإنفاق، مما يعني أن تلك الاموال لن تدخل في معظمها ضمن الدورة الاقتصادية. في موازاة ذلك، قُضيَ على الاقتصاد الموازي أو الأسود المقدّر بحوالى 10 مليارات دولار بشكل شبه كامل نتيجة تدمير مؤسسات تابعة أو مموّلة لـ”حزب الله” أو غير شرعية، والتي كانت أموالها تُتداول في السوق من خارج النظام المصرفي، الأمر الذي ستكون له تداعيات كارثية على حجم السيولة النقدية بالعملات الأجنبية في السوق، وسيشكّل ضغوطات على الاستقرار المالي والاقتصادي.