جاء في موقع “mtv “ – تتحوّل منطقة الشرق الأوسط سريعاً نحو مرحلة جديدة ستكون مختلفة طبعاً عمّا قبل 7 تشرين الأول 2023، لكنها في الواقع انعكاس عملي لصعود نجم الجمهورية الإسلامية الإيرانية وبناء نفوذها العابر للدول، وفرض نفسها قوة إقليمية كبرى من الصعب تجاوزها، وأي تسوية لن تكون من دونها.
خلف هذا الموقع الإيراني المتقدّم أسباب عدّة، ومكامن قوة داخل المحور الذي جمع طهران بأذرعها في المنطقة، وقد حوّلت شعار “وحدة الساحات” من القول إلى الفعل على أرض الواقع، وما حصل بعد عملية “طوفان الأقصى” خير دليل على ذلك، من البحر الأحمر إلى العراق مروراً بجنوب لبنان.
أشار الخبير العسكري والعميد المتقاعد ناجي ملاعب إلى أنه “لا بد من النظر إلى ما يجري من ناحية استراتيجية وصولاً الى الناحية العسكرية. فمع غياب المشروع العربي، عمدت إيران الطامحة للإرتقاء إلى دولة عظمى والحصول على الطاقة النووية التي تضعها في مصاف الدول التي تمتلك هذا السلاح الرادع، إلى تبنّي قضية فلسطين عبر ما أسماه الملك الأردني بالهلال الشيعي. ولكن ذلك بعدما تخلّى العرب عن قضيتهم المركزية “فلسطين”، مستطرداً “وقد أقام محوراً كبيراً. وحيث لا يستطيع الوصول والإستقواء وامتلاك الأسلحة بوجود دول قوية، عمد إلى إضعاف هذه الدول سواء في العراق أو سوريا أو لبنان”.
وقال ملاعب، في حديث لموقع mtv “اليوم اختار الإيراني أن يزعج أميركا في مكان يقضّ مضجعها، وهذا المكان هو في إسرائيل”.
ولكن ما سرّ قوة إيران؟ يجيب ملاعب: “إيران كانت صادقة مع جماعاتها وأمّنت لها التدريب والتقنيات والحرب السيبرانية والمعلوماتية وكل ما يلزم من مسيّرات وأسلحة، وحتى الأنفاق. وكان هناك تلازم داخل هذا المحور، وعندما رُفع شعار “وحدة الساحات” طبقوه فعلاً على الأرض ولا يزال”.
وفي مثال يختصر واقع الحال داخل هذا المحور ومدى الترابط فيه، يشرح ملاعب كيف سُلّم مثلاً صاروخ “الكورنيت” المضاد للآليات من روسيا إلى الحكومة السورية، التي سلّمته بدورها لحزب الله، الذي أدخله إلى غزة بواسطة حركة حماس. ويضيف “الساحة السورية هي التي تستقدم الأسلحة ومكوّنات الأسلحة والصواريخ والطائرات وترسلها إلى لبنان، ما يعني فعلياً أن هناك وحدة ساحات بالتجهيز وبالمساندة أيضاً”.
هذا الواقع يكرّس إيران قوة إقليمية، ويقول ملاعب “هذه الإطلالة وضعت المشروع الإيراني قيد التنفيذ. وهذا مشروع لا يمكن لإيران أن تتخلّى عنه في مرحلة ما. وصحيح أنها كانت تقول بالصبر الإستراتيحي ولا ترد على ممارسات العدو الإسرائيلي في سوريا بحق عناصرها وضباطها، ولكن عندما وصل الأمر إلى وجوب الرد أقدمت على ذلك وكان الرد كبيراً. وصحيح أنه تم الإعلان عنه مسبقاً لكنه استنفر كل قوى الغرب في هذه المنطقة للدفاع عن إسرائيل، ولم تستطع إنهاء مفاعيل هذا العمل. ما أثبت أن الإيراني يقف مع محوره ويدافع عنه”.
في مقابل المحور الإيراني، لا تبدو الضفة الأخرى ثابتة، حيث يقول ملاعب: “الأميركي دخل إلى أفغانستان لقتال طالبان وخرج بعد أن سلّمه مجدداً لطالبان. دخل إلى العراق لمحاربة داعش والحشد الشعبي والإيرانيين واليوم هناك سيطرة كبيرة للإيرانيين في العراق. دخل إلى ليبيا عبر الناتو واليوم نرى الفاغنر الروسي في ليبيا. دخل على خط أوكرانيا لمحاربة الروس لكنه ورّط أوروبا وبقي خارجها، وصحيح أنه يقدّم الأسلحة لكن الأوروبيين هم الذين يدفعون الثمن”.
إلا ان الإسرائيلي يدرك حجم النفوذ الإيراني جيداً، وهذا ما يقف بشكل مباشر خلف حربه المفتوحة في قطاع غزة لا سيما عمليته في رفح. وفي هذا السياق يشرح ملاعب الموقف الإسرائيلي قائلاً: “لدى إسرائيل هدف إستراتيجي عسكري وهو أن تقطع صلة غزة بعمقها عبر سيناء. وحتى لو فاجأتها المقاومة بالموافقة على الورقة التي أعدتها المخابرات الأميركية مع مصر وقطر، لكن هدفها هو قطع أوصال غزة بعمقها العربي. وكما قطعت كل أنفاق غزة بين وسطها وشمالها، هذا ما خططت له وتفعله حالياً في جنوبي رفح. فهي تريد قطع أوصال ما تحت الأرض أكثر مما هو فوق الأرض، وسوف تقفل معبري رفح وكرم أبو سالم. وأما هدفها الإستراتيجي هناك فهو قطع الأنفاق بالكامل بين رفح الفلسطينية ورفح المصرية”.