كتبت ليا القزي:
الأخبار
إجراءان جديدان تقوم بهما المصارف، يؤشران إلى أنها لم تتعلّم من تجربة الانهيار الحالي. الأول هو مضاعفة الأموال الجديدة بالدولار بنسبة تصل إلى 2.9 مرّة. أما الثاني، فهو الموافقة على طلب زبائن تحويل ودائعهم من الليرة إلى الدولار. تدفن المصارف رأسها في الرمال، مُصرّة على ترحيل وقت استحقاق الأزماتتعمل المصارف التجارية اللبنانية وفقاً لـ«استراتيجية» وحيدة: «الهروب إلى الأمام». فعوض أن تلجأ إلى «شطب» مشاكلها، وتنظيف موازناتها، يقوم مالكوها والمُساهمون فيها بكلّ «الحِيَل» اللازمة ليبقوا بمنأى عن أي حِساب. يتنكّرون لأرقام الخسائر التي وردت في الخطة الحكومية، يضغطون عبر وكلائهم في مجلس النواب لتمرير تقريرٍ يُناسبهم، يُعرقلون برنامجاً مع صندوق النقد لأنّه سيفرض عليهم المشاركة الرئيسَة في دفع الخسائر (رغم خطورة الإجراءات – التي يطلب الصندوق تطبيقها – على الطبقات الأكثر ضعفاً)… جُلّ سياستهم تدور حول إجراءات تسمح لهم بالعيش كلّ يوم بيومه، إلى حين انقضاء العاصفة بأقلّ قدرٍ من الأضرار عليهم. هذا هو رهان أصحاب المصارف. انطلاقاً من هنا «تُفهم» التدابير التي تتخذها هذه المؤسسات المالية، وتحديداً منها تدبيران اثنان: الأول، المُنتج – «الاختراع» الذي يقضي بتجميد وديعة «الدولارات الطازجة» (Fresh Money) التي يأتي بها الزبون، 2.1 مرّة ضعف المبلغ (إذا أتى زبون إلى المصرف حاملاً مليون دولار، يُفتح له حساب بمليونين و100 ألف دولار، على أن تُجمّد لفترة طويلة، أو أن يتم سحبها على أساس سعر الدولار الرسمي، أي 1507 ليرات للدولار الواحد). وبحسب مصادر مصرفية، بلغت النسبة 2.9 مرّة في بعض المصارف (أي يُفتح لزبون المليون دولار، حساب بمليونين و900 ألف دولار). هذه النسبة المضافة تكون عملياً «ليبانو دولار»، أي عملة وهمية. هذا الإجراء «خطير» جدّاً، ودليل على أنّ المصارف و«المركزي» مُستمران باعتماد «نهج بونزي»، عبر تقديم فوائد عالية لقاء الودائع، وتمويل الفوائد والمدفوعات من أموال المودعين، حتى وصلت المصارف إلى مرحلة تعجز خلالها عن ردّ الفائدة أو أصل المبلغ إلى المودعين. في هذه الحالة، تقوم المصارف بتقديم فائدة فورية بنسبة 190%! المنطق، يفرض رفع دعاوى «إفلاس احتيالي» على المصارف لقاء فِعلتها، ولكنّها «مُثابرة» على نهجها رغم كلّ التحذيرات القانونية التي تلقّتها.
منذ شهر نيسان، بدأت مصارف في تسويق مُنتج مضاعفة إيرادات الدولار بنسبة تُراوح بين 2.1 مرّة و2.5 مرّة، حتى وصلت النسبة في الأيام الأخيرة إلى 2.9 مرّة لدى أربعة مصارف «فئة أولى». نُقل يومها عن مصرف لبنان أنّ «المُنتَج» أطلِق من دون علمه أو موافقته عليه، رغم أنّ مصرفيين مُعارضين للخطوة شكّكوا يومها في أن يكون «المركزي» على غير بيّنة من ذلك، مُعتبرين أنّه أمّن الغطاء للمصارف. فعملياً، هو من يُغطّي خسائر المصارف الناتجة عن هذه العملية. كيف؟ يحصل كلّ مصرف من «المركزي» على حصّة نسبية من العملة الصعبة أسبوعياً، تختلف قيمتها بتفاوت حجم رأسمال المصرف. يأتي «المركزي» بالدولارات من الأموال التي أودعتها المصارف لديه بالعملة الأجنبية، أي ودائع الناس، إضافة إلى ما يضمّه إلى موجوداته من تحويلات من الخارج. قيمة هذه الودائع تبلغ، بحسب الخبير المصرفي فريدي باز، 115.5 مليارات «ليبانو دولار». أما الدولارات الحقيقية، فغير موجودة سوى في حساب الاحتياط الإلزامي في مصرف لبنان، الذي لا يعرف أحدٌ (باستثناء الحاكم رياض سلامة) قيمته، ولكنّ التقديرات تُشير إلى ما لا يتجاوز الـ16 مليار دولار. حين تُغري المصارف الزبون بأنّ الدولارات الجديدة التي يودعها لديها ستُضرب بـ2.9 مرّة، فإنها تأخذ العملة الصعبة منه، وتستخدمها إما لإعادة تكوين حساباتها بالدولار، أو تُسدّد بها التزامات في الخارج، أو تُلبّي من خلالها طلبات المُساهمين فيها أو زبائن «محظيين» بالحصول على النقد. بهذه الطريقة، يُحمّل المصرف نفسه أعباء إضافية من خلال تضخيم الموجبات عليه، ولكن من منطلق «توزيع الخسائر» وتقاسم المسؤوليات، قرّر مصرف لبنان أن يتحمّل هو الخسارة، عبر تأمين المبلغ المطلوب بالدولار المحلّي. والزبون أيضاً خسر العملة الحقيقية، لقاء «دولار وهمي»، قيمته أدنى بكثير من قيمة العملة في السوق.
في الحالة السابقة، تأخذ المصارف دولارات من المودع. لكنّ ثمة تدبيراً ثانياً يقضي بإعطاء المودع دولارات… دفترياً! تستفيد المصارف من كون الدولار أكثر من مُجرّد «ورقة خضراء» بالنسبة إلى كثيرين في البلد. يتهافتون للحصول عليه، حتى لو لم يكونوا بحاجةٍ إليه لاستيراد المواد، أو دفع فواتير في الخارج، أو تسديد أجور عاملين أجانب. ففيما يبحث المودعون عن طريقة لإخراج ودائعهم بالدولار من المصارف، والاستفادة منها عبر شراء مُختلف أنواع السِّلع، حتّى لا يخسروا مُجمل قيمتها، وجدت المصارف من يطرق بابها «مُتوسّطاً» للتحويل من الليرة إلى الدولار، اعتقاداً من الزبون أنّه بهذه الطريقة «يحمي» ماله. القبول بتحويل الودائع يتم شرط تجميد الحساب لثلاث سنوات على الأقل، وبفائدة لا تتجاوز الـ1%. المصارف لا تحوّل الأموال عبر «خلق» دولارات من فراغ وحسب، بل تُساهم في خلق «أملٍ» ورهانات فارغة أيضاً.
فمن أين ستأتي بالدولارات اللازمة لعملية التبديل إذا كانت الأموال غير مُتوفرة للدفع لأصحاب الحسابات بالعملة الصعبة أصلاً؟