كتب علي منتش:
لا شك في أن قرار المحكمة الدولية لم يعجب كثرا، لا المؤيدين لها ولا المعارضين، لكن الحكم صدر، والنقاش السياسي في لبنان سيستمر حوله لفترة من الزمن، حاله حال كل القضايا الاشكالية التي تصبح جزءا من الخطاب السياسي اللبناني.
لكن على هامش الحكم، المفاجئ نسبياً، في الشكل، تكمن دلالات هامة ومؤشرات في المضمون الذي لم يكن الا متوقعاً، واتجه بشكل واضح الى اتهام احد عناصر “حزب الله” بالتخطيط والمشاركة في تنفيذ عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
اولا، يظهر حكم المحكمة الدولية بأن المجتمع الدولي وتحديداً المعادي لـ”حزب الله” لم يعد يجد نفسه بحاجة لحكم المحكمة للضغط على الحزب، وليس هناك اي داع لاي اتهام جنائي – اعلامي لمحاصرة الحزب وضرب حواضنه الشعبية في البيئات غير الشيعية، فالظروف المحيطة بالواقع السياسي اللبناني من انهيار اقتصادي، وثورة ١٧ تشرين وموقف الحزب منها، والواقع الحربي اجمالاً، كفيلة بالضغط على الحزب وسلبه جزءا من شرعيته الشعبية الوطنية.
ثانياً، ومما لا شك فيه ان المحكمة، وان كانت مستقلة من الناحية التقنية، غير ان شكل الحكم يخضع، منطقياً لتأثيرات سياسية، من هنا يمكن القول ان حكم الامس دليل على ان تعويم الرئيس سعد الحريري سياسيا ليس غاية اساسية لدى القوى الغربية والدولية، اي انه لا يشكل هاجساً سياسيا لديهم، فجاء الحكم بصيغته الباردة، الذي لا يمكن الحريري من شدّ عصبه الشعبي.
ثالثاً يمكن اعتبار الحكم بالغ الذكاء اعلامياً، اذ رسخ مساهمة عناصر من “حزب الله” بعملية الاغتيال لكن بفارق بسيط، انه اعطى نوعاا من الموضوعية والمهنية للمحكمة عبر تبرئة آخرين. اذ ان شكل الحكم اوحى بأن المحكمة لم تخضع لأي ضغط سياسي بل هي استبعدت تورط قيادة الحزب وقيادة النظام في سوريا، وتالياً فإن الامر يعطي انطباعا انه لو كانت المحكمة مسيسة، لاتهمت كل هؤلاء..