يَقع أصحاب المولِّدات اليوم بين سِندان الواقع المعيشي المؤلم والغلاء المعيشيّ الباهظ والخلل في سعر الصرف ونُدرة مادة المازوت وإحتكارها، وبين مِطرقة وزارة الإقتصاد التي لم تَسمح لهم بزيادة التعرفة على المولد، ما يُنذر بأزمةٍ جديدةٍ تلوح في الأفق، وتُهدِّدُ بشبحِ العتمة الذي على ما يبدو سيزور منازل اللبنانيين قريبًا، مع بدء تفاقم الأزمة، وظهورِ فكرة “التقنين” التي عادت الدولةُ للجوء إليها.
“ليبانون ديبايت” تابع هذا الملف، وإستطلعَ آراءَ أصحاب المولِّدات، الذين على ما يبدو لم يَعُد بإستطاعتهم تحمُّل “فرق الدولار” فالدولة تُلزمهم بتسعيرة موحدة، فيما تركتهم يُواجهون إحتكار مادة المازوت، وشراء بضاعة صيانة مولداتهم من السوق السوداء.. وما أدراك ما السوق السوداء!
ويقول أحد أصحاب المولدات الذي يُضيئ نحو 400 منزل لبناني أن “الدولة نجحت في جعلنا كبش محرقة، ووضعتنا في موقفٍ لا نُحسد عليه” مضيفًا “إذا بقي الوضع هيك، رايحين على طريق كتير عاطلة، وعلى العتمة كمان”.
ومع زيادة ساعات التقنين، أصبح أصحاب المولدات اليوم هم من يحلُّ محل شركة كهرباء لبنان وتقصيرها، فقد تحولت الأخيرة الى شريكةٍ ثانوية تساعد المولدات في عملية إنارة بيوت اللبنانيين، وهذا أمرٌ كارثيّ. فإنقلبت المعادلة اليوم، خصوصًا بعد أن أصبح معدل ساعات تشغيل المولدات في بعض المناطق 20 ساعة في اليوم مقابل 4 ساعات لـكهرباء الدولة!
في السياق، قطع أصحاب المولدات صباح اليوم الجمعة طريق كورنيش النهر أمام وزارة الطاقة بالإتجاهين، رافعين لافتاتٍ تُطالب برفعِ التسعيرة التي تضعها الوزارة، وتُذكِّر بغلاء “قطع الغيار” التي يُلزَمون بدفعها بالدولار الأميركي نقدًا، كما يطالبون بتأمين المازوت على السعر الرسمي.
وفي إتصالٍ مع “ليبانون ديبايت” أكد رئيس تجمع أصحاب المولدات عبدو سعادة، الذي يعتصم أمام وزارة الطاقة أننا “ذاهبون الى التصعيد، لأن الوزارة لا تتجاوب معنا، ويوم الإثنين سننصب الخيم أمام وزارة الطاقة”.
وطالب رئيس تجمع المولدات عبر موقعنا، “تأمين المازوت بالسعر المدعوم، وتعديل التسعيرة، لتصبح على الأقل 700 ليرة مقابل الكيلو وات، بعدما كانت 330 ليرة”.
وقبل أيام، فوجئ أصحاب المولدات بعرض مادّة المازوت عليهم بملغ 14،800 ليرة لبنانية مقابل التنكة الواحدة بفارق 1300 ليرة عن التسعيرة “الشبه مدعومة” من الدولة التي كانت تصلهم بـ 13،500 ليرة لبنانية.
فأشار صاحب مولد لـ”ليبانون ديبايت” أنه لن يشتري المازوت على هذه التسعيرة، كاشفًا أنه سيعمد الى توزيع الكهرباء على المشتركين لديه، ريثما ينتهي مخزون المازوت الذي إشتراه على “التسعيرة القديمة”، وعندها لن يكون بمقدوره توزيع الكهرباء على مشتركيه وسيعمد الى إطفاء مولده!
وأطلق أحد المتظاهرين أمام وزارة الطاقة الصرخة عبر موقعنا، “نحن نحتاج لتغيير قطع الغيار والفلاتر لمولداتنا كل 250 ساعة أو أقل، فكل هذه البضاعة يتم شرائها على دولار السوق السوداء، وهذا ظُلم وإجحاف في حقنا، فنحن لم نعد نحتمل الفاتورة الباهظة”، متابعًا، “إشتريت قطعة صغيرة للمولد منذ أيام ودفعت ثمنها 7 ملايين ليرة لبنانية، هل هذا معقول معقول؟!”.
ويقول صاحبُ مولدٍ آخر، “لم يعد بإستطاعتنا إصلاح مولداتنا أو أن نحلم بشراء غيرها، وإن أراد أحدنا مجرد التفكير في هذا الأمر، فسيُواجه رقمًا خياليًا مرعبًا يفوق الـ700 مليون ليرة!”.
ويصرخ محتجٌّ آخر غاضبًا، “نحنا مش مافيات! ليش نازلين فينا جلد؟ وليش كل ما طالبنا بحقوقنا بتقولو عنا حرامية؟! مين الحرامي نحنا أو اللي سرق 40 مليار بقطاع الكهرباء؟”، معتبرًا أنه “مثل ما أفشلوا شركة كهرباء لبنان، يعمدون الى إفشال قطاع المولدات، فنحن لم يعد بمقدورنا رفع التسعيرة تحسسًا بالمواطن، ولا تحمُّل لهيب سعر صرف الدولار الذي يكاد أن يقتلنا”.
وأمام هذا الواقع “المُعتم”، يبدو أن الدولةَ تنحَّت علنًا عن دورها، وتركت القرار لأصحاب المولدات، معترفةً بعجزها، لكن أصحاب المولدات ما عاد بيدهم حيلة، وهم بين خيارين “أحلاهما مر”، فإما يُطفئون محرِّكاتهم ويُغرقون البيوت في العتمة، وإما يَرفعون “التسعيرة” فتَنقَلِب عليهم “اللعنات والمسبّات والإتهامات” من اللبنانيين.